فصل: تفسير الآية رقم (105):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.تفسير الآية رقم (105):

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}
{كالذين تَفَرَّقُواْ} هم اليهود والنصارى، نهى الله المسلمين أن يكونوا مثلهم، وورد في الحديث أنه عليه السلام قال: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار ألاّ واحدة، قيل ومن تلك الواحدة؟ قال: من كان على ما أنا وأصحابي عليه.

.تفسير الآية رقم (106):

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)}
{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} العامل فيه محذوف وقيل: عذاب عظيم {أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم} أي يقال لهم: أكفرتم؟ والخطاب لمن ارتد عن الإسلام، وقيل: للخوارج، وقيل لليهود؛ لأنهم آمنوا بصفة النبي صلى الله عليه وسلم المذكورة في التوراة ثم كفروا به لما بعث.

.تفسير الآيات (110- 111):

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)}
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} كان هنا هي التي تقتضي الدوام كقوله وكان الله غفوراً رحيماً، وقيل: كنتم في علم الله، وقيل: كنتم فيما وصفتم به في الكتب المتقدمة، وقيل: كنتم بمعنى أنتم، والخطاب لجميع المؤمنين، وقيل: للصحابة خاصة {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى} أي بالكلام خاصة، وهو أهون المضرة {يُوَلُّوكُمُ الأدبار} إخبار بغيب ظهر في الوجود صدقة {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} إخبار مستأنف غير معطوف على يولوكم، وفائدة ذلك أن توليهم الأدبار مقيدٌ بوقت القتال، وعدم النصر على الإطلاق، وعطفت الجملة على جملة الشرط والجزاء، وثم لترتيب الأحوال؛ لأن عدم نصرهم على الإطلاق أشد من توليهم الأدبار حين القتال.

.تفسير الآيات (112- 115):

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
{إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ الله} الحبل هنا العهد والذمة {لَيْسُواْ سَوَآءً} أي: ليس أهل الكتاب مستويين في دينهم {أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ} أي قائمة بالحق، وذلك فيمن أسلم من اليهود: كعبد الله بن سلام، وثعلبة بن سعيد وأخيه أسد وغيرهم {وَهُمْ يَسْجُدُونَ} يدل أن تلاوتهم للكتاب في الصلاة {فَلَنْ يُكْفَروهُ} بالتاء حسب قراءة المؤلف أي لن تحرموا ثوابه.

.تفسير الآية رقم (117):

{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
{مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} الآية: تشبيه لنفقة الكافرين بزرع أهلكته ريح باردة، فلن ينتفع به أصحابه. فكذلك لا ينتفع الكفار بما ينفقون. وفي الكلام حذف تقديره: مثل ما ينفقون كمثل مهلك ريح أو مثل إهلاك ما ينفقون كمثل إهلاك ريح، وإنما احتيج لهذا لأن ما ينفقون ليس تشبيهاً بالريح، إنما هو تشبيه بالزرع الذي أهلكته الريح {صِرٌّ} أي برد {حَرْثَ قَوْمٍ ظلموا أَنْفُسَهُمْ} أي عصوا الله فعاقبهم بإهلاك حرثهم {وَمَا ظَلَمَهُمُ الله} الضمير للكفار، أو المنافقين، أو لأصحاب الحرث، والأول أرجح، لأن قوله أنفسهم يظلمون فعل حال يدل على أنه للحاضرين.

.تفسير الآيات (118- 119):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)}
{بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} أي أولياء من غيركم فالمعنى: نهيٌ عن استخلاص الكفار وموالاتهم. وقيل: لعمر رضي الله عنه إن هنا رجلاً من النصارى لا أحد أحسنُ خطاً منه، أفلا يكتب عنك: قال إذاً أتخذُ بطانة من دون المؤمنين {لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً} أي: لا يقصرون في إفسادكم، والخبال: الفساد {وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ} أي تمنَوْا مضرتكم، وما مصدرية وهذه الجملة والتي قبلها صفة للبطانة أو استئناف {وَتُؤْمِنُونَ بالكتاب كُلِّهِ} أي بكل كتاب أنزله الله، واليهود لا يؤمنون بقرآنكم {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأنامل مِنَ الغيظ} عبارة عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه، والأنامل: جمع أنملة بضم الميم وفتحها {مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} تقريع وإغاظة، وقيل: دعاء.

.تفسير الآيات (120- 121):

{إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}
{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ} الحسنة هنا: الخيرات من النصر والرزق وغير ذلك، والسيئة ضدها {لاَ يَضُرُّكُمْ} من الضير بمعنى الضرّ {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ} نزلت في غزوة أحد، وكان غزو رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال صبيحة يوم السبت وخرج من المدينة يوم الجمعة بعد الصلاة وكان قد شاور أصحابه قبل الصلاة {تُبَوِّىءُ المؤمنين} تنزلهم وذلك يوم السبت حين حضر القتال، وقيل: ذلك يوم الجمعة بعد الصلاة حين خرج من المدينة، وذلك ضعيف؛ لأنه لا يقال: غدوت فيما بعد الزوال إلاّ على المجاز، وقيل: ذلك يوم الجمعة قبل الصلاة حين شاور الناس وذلك ضعيف؛ لأنه لم يبوئ حينئذٍ مقاعد للقتال؛ إلاّ أن يراد أنه بوأهم بالتدبير حين المشاورة {مقاعد} مواضع وهو جمع مقعد.

.تفسير الآيات (122- 124):

{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)}
{طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ} هم بنو حارثة من الأوس وبنو سلمة من الخزرج، لما رأوا كثرة المشركين وقلة المؤمنين هموا بالانصراف؛ فعصمهم الله ونهضوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم {أَن تَفْشَلاَ} الفشل في البدن هو الإعياء، والفشل في الرأي هو العجز والحيرة وفساد العزم {والله وَلِيُّهُمَا} أي مثبتهما، وقال جابر بن عبد الله: ما وددنا أنها لم تنزل لقوله: {والله وَلِيُّهُمَا} {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ} تذكير بنصر الله يوم بدر لتقوى قلوبهم {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} الذلة هي قلة عَددهم وضعف عُددهم؛ كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، ولم يكن لهم إلاّ فرس واحد، وكان المشركون ما بين التسعمائة والألف، وكان معهم مائة فرس. فقتل من المشركين سبعون وأسر منهم سبعون وانهزم سائرهم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} متعلق بنصركم أو باتقوا؛ والأول أظهر {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ} كان هذا القول يوم بدر، وقيل: يوم أحد، فالعامل في إذ على الأول محذوف، وعلى الثاني: بدل من إذ غدوت {أَلَنْ يَكْفِيكُمْ} تقرير، جوابه بلى، وإنما جواب المتكلم لصحة الأمر وبيانه كقوله: قل {مَن رَّبُّ السماوات والأرض قُلِ الله} [الرعد: 16].

.تفسير الآيات (125- 128):

{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}
{وَيَأْتُوكُمْ مِّن فَوْرِهِمْ} الضمير للمشركين، والفور السرعة: أي من ساعتهم وقيل: المعنى من سفرهم {بِخَمْسَةِ ءالاف} بأكثر من العدد الذي يكفيكم ليزيد ذلك في قوتكم، فإن كان هذا يوم بدر، فقد قاتلت فيه الملائكة، وإن كان يوم أحد فقد شرط في قوله: إن تصبروا وتتقوا، فلما خالفوا الشرط لم تنزل الملائكة {مُسَوِّمِينَ} بفتح الواو وكسرها أي معلمين، أو معلمين أنفسهم أو خيلهم، وكانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم بيضاء، إلاّ جبريل فإنه كانت عمامته صفراء، وقيل: كانت عمائمهم صفر، وكانت خيلهم مجزوزة الأذناب وقيل: كانوا على خيل بُلق {وَمَا جَعَلَهُ} الضمير عائد على الإنزال، أو الإمداد {وَلِتَطْمَئِنَّ} معطوف على بشرى لأنه هذا الفعل بتأويل المصدر، وقيل: يتعلق بفعل مضمر يدل عليه جعله {لِيَقْطَعَ} يتعلق بقوله: ولقد نصركم الله أو بقوله: وما النصر {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمر شَيْءٌ} جملة اعتراضية بين المعطوفين، ونزلت لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة على أحياء قبائل من العرب فترك الدعاء عليهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} معناه يسلمون.

.تفسير الآيات (130- 133):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
{أضعافا مضاعفة} كانوا يزيدون كل ما حل عاماً بعد عام {سارعوا} بغير واو استئناف، وبالواو عطف على ما تقدم {إلى مَغْفِرَةٍ} أي إلى الأعمال التي تستحقون بها المغفرة {عَرْضُهَا} قال ابن عباس: تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض، كما تقرن الثياب فذلك عرض الجنة، ولا يعلم طولها إلاّ الله؛ وقيل: ليس العرض هنا خلاف الطول، وإنما المعنى سعتها كسعة السموات والأرض.

.تفسير الآيات (134- 137):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}
{فِي السَّرَّآءِ والضرآء} في العسر واليسر {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} حذف مفعوله وتقديره: وهم يعلمون أنهم قد أذنبوا {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ} خطاب للمؤمنين تأنيساً لهم وقيل: للكافرين تخويفاً لهم {فانظروا} من نظر العين عند الجمهور وقيل: هو بالفكر.

.تفسير الآيات (139- 141):

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}
{وَلاَ تَهِنُوا} تقوية لقلوب المؤمنين {وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ} إخبار بعلو كلمة الإسلام {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} الآية معناها: إن مسكم قتل أو جراح في أحُد فقد مس الكفارَ مثلُه في بدر، وقيل: قد مس الكفار يوم أحد مثل ما مسكم فيه، فإنهم نالوا منكم ونلتم منهم، وذلك تسلية للمؤمنين بالتأسي {نُدَاوِلُهَا} تسلية أيضاً عما جرى يوم أحد {وَلِيَعْلَمَ} متعلق بمحذوف تقديره: أصابكم ما أصابهم يوم أحد؛ ليعلم والمعنى ليعلم ذلك علماً ظاهراً لكم تقوم به الحجة {شُهَدَآءَ} من قتل من المسلمين يوم أحد {وَلِيُمَحِّصَ الله} أي: يظهر، وقيل: يميز، وهو معطوف على ما تقدم من التعليلات لقصة أحد، والمعنى أن إدالة الكفار على المسلمين إنما هي لتمحيص المؤمنين، وأن نصر المؤمنين على الكفار إنما هو ليمحق الله الكافرين أي يهلكهم.

.تفسير الآيات (142- 143):

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}
{أَمْ حَسِبْتُمْ} أم هنا منقطعة مقدرة ببل والهمزة عند سيبوية، وهذه الآية وما بعدها معاتبة لقوم من المؤمنين صدرت منهم أشياء يوم أحد {تَمَنَّوْنَ الموت} خوطب به قوم فاتتهم غزوة بدر، فتمنوا حضور قتال الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم ليستدركوا ما فاتهم من الجهاد، فعلى هذا إنما تمنوا الجهاد وهو سبب الموت، وقيل: إنما تمنوا الشهادة في سبيل الله.

.تفسير الآية رقم (144):

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)}
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} المعنى أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول كسائر الرسل؛ قد بلغ الرسالة كما بلغوا فيجب عليكم التمسك بدينه في حياته وبعد موته، وسببها أنه صرخ صارخ يوم أحد: إنّ محمداً قد مات، فتزلزل بعض الناس {أَفإِنْ مَّاتَ} دخلت ألف التوبيخ على جملة الشرط والجزاء، ودخلت الفاء لتربط الجملة الشرطية بالجملة التي قبلها، والمعنى أن موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قتله لا يقتضي انقلاب أصحابه على أعقابهم، لأن شريعته قد تقررت وبراهينه قد صحت، فعاتبه على تقدير أن لو صدر منهم انقلاب لو مات صلى الله عليه وسلم، أو قتل وقد علم أنه لا يقتل، ولكن ذكر ذلك لما صرخ به صارخ ووقع في نفوسهم {الشاكرين} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الثابتون على دينهم.

.تفسير الآية رقم (145):

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
{كتابا مُّؤَجَّلاً} نصب على المصدر لأنّ المعنى: كتب الموت كتاباً، وقال ابن عطية: نصب على التمييز {نُؤْتِهِ مِنْهَا} في ثواب الدنيا، مقيد بالمشيئة بدليل قوله: {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ} [الإسراء: 18].

.تفسير الآيات (146- 149):

{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)}
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ} الفعل مسند، إلى ضمير النبيّ ومعه ربيون على هذا في موضع الحال، وقيل: إنه مسند إلى الربيين، فيكون ربيون على هذا مفعولاً لما لم يسم فاعله فعلى الأوّل يوقف على قوله: قتل، ويترجح الثاني بأنه لم يقتل قط نبي في محاربة {رِبِّيُّونَ} علماء مثل ربانيين، وقيل: جموع كثيرة {فَمَا وَهَنُواْ} الضمير لربيون على إسناد القتل للنبي، وهو لم يق منهم على إسناد القتل إليهم {وَمَا استكانوا} أي: لم يذلوا للكفار قال بعض النحاة: الاستكان مشتق من السكون، ووزنه افتعلوا مطلت فتحة الكاف فحدث عن مطلها ألف وذلك كالإشباع، وقيل: أنه من كان يكون، فوزنه استفعلوا، وقوله تعالى: {فَمَا وَهَنُواْ} وما بعده: تعريض لما صدر من بعض الناس يوم أحد {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} أي في الحرب {ثَوَابَ الدنيا} النصر {ثَوَابِ الآخرة} الجنة {إِن تُطِيعُواْ الذين كَفَرُواْ} هم المنافقون الذين قالوا في قضية أحد ما قالوا، وقيل: مشركو قريش وقيل: اليهود.